النفط يعود إلى الواجهة وسط معادلات القوة والسلاح

النفط يعود إلى الواجهة وسط معادلات القوة والسلاح

Loading

النفط يعود إلى الواجهة وسط معادلات القوة والسلاح

هجليج بين إعادة تشغيل الحقول وصراع النفوذ في غرب كردفان

متابعات – السودان الآن – في الدول التي تتقاطع فيها الجغرافيا النفطية مع هشاشة الدولة، لا يُنظر إلى تشغيل الحقول باعتباره نشاطاً اقتصادياً محضاً، بل كفعل سياسي يعكس موازين القوة على الأرض. هذا المشهد يتجسد بوضوح في منطقة هجليج النفطية، حيث تحاول شركات النفط استعادة إيقاع الإنتاج وسط ترتيبات أمنية معقدة وتنافس عسكري مفتوح.

خلال الأيام الماضية، تحرك فريق فني قادم من جوبا باتجاه الحقول الواقعة في غرب كردفان، في مسعى لإعادة تشغيل الآبار التي تعطلت بفعل المواجهات المسلحة. وبحسب مصادر عاملة في القطاع النفطي، فإن التقديرات الأمنية تشير إلى إمكانية استئناف العمل بعد أشهر من الاضطراب الذي طال البنية التحتية في واحدة من أهم مناطق الإنتاج النفطي بالسودان.

وصول الفريق الفني جاء نتيجة ترتيبات سبقت تحركه، أبرزها انتشار قوات تابعة لحكومة جنوب السودان في محيط الحقول، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة في ديسمبر 2025. وبررت جوبا هذه الخطوة بالحاجة إلى حماية تدفق النفط القادم من أراضيها نحو موانئ التصدير في شرق السودان، باعتباره شرياناً اقتصادياً لا يمكن التفريط فيه.

ورغم حالة التوتر التي سادت بين قوات الدعم السريع وقوات دفاع جنوب السودان، تفيد المصادر بعدم حدوث مواجهة مباشرة، مع وجود تفاهمات ميدانية أسهمت في تهدئة الأوضاع مؤقتاً. غير أن زيارة عبد الرحيم دقلو، نائب قائد الدعم السريع، إلى هجليج بعد أيام من السيطرة على المنطقة، حملت دلالات سياسية لافتة، حيث اعتبرها مراقبون رسالة تفاوضية موجهة إلى كل من الخرطوم وجوبا، مفادها أن السيطرة العسكرية على مناطق الإنتاج يجب أن تقترن بنصيب من العائدات.

هذه المطالب ليست جديدة، إذ دعت قيادة الدعم السريع منذ أواخر 2023 إلى إعادة توزيع إيرادات النفط، إما عبر تحويلها مباشرة إلى قواتها أو إيداعها في حساب خارجي إلى حين تشكيل حكومة مدنية. ومع توسع نفوذها في غرب كردفان وشرق دارفور، باتت هذه المطالب جزءاً من معادلة النفوذ التي تحكم مناطق الإنتاج.

وبعيداً عن الحسابات السياسية والعسكرية، تبرز أزمة اجتماعية مزمنة في محيط الحقول، حيث تعاني المجتمعات المحلية نقصاً حاداً في المياه والخدمات الأساسية، وتطالب منذ سنوات بإشراك أبناء المنطقة في فرص العمل لدى الشركات العاملة، ضمن ما يُفترض أنه التزام بالمسؤولية المجتمعية. ورغم الموارد النفطية التي تدر مليارات الدولارات، ظل أثرها على حياة السكان محدوداً، وفق اتهامات وجهتها تجمعات مهنية لسلطات سابقة بسوء إدارة العائدات وغياب الشفافية.

عودة الفنيين إلى هجليج قد تسهم في إعادة تشغيل الآبار، لكنها لا تعالج التصدعات الأعمق التي تحيط بالقطاع النفطي. فطالما بقيت السيطرة على الحقول رهينة للتوازنات العسكرية، وظلت العائدات موضع نزاع بين أطراف متنافسة، سيظل النفط عاملاً مفاقماً لهشاشة الدولة، بدلاً من أن يكون رافعة للاستقرار والتنمية، في ظل صراع مفتوح وتعدد مراكز القرار