![]()

يبدو ان العلاقة بين الإمارات و البرهان وصلت الى طريق مسدود مؤخراً ، ويبدو ايضاً -لهذا السبب- ان الإمارات نفسها هي من تحاول تخريب هذه المفاوضات القادمة بعد ان يئست من البرهان يأس الذين كفروا من اصحاب القبور .
الإمارات خصم غير شريف ، ففضلاً عن جرائمها ضد الأبرياء و عمالتها للعالم ضد البرهان الذي منحها كل ما تريد في السابق حينما كان رجلها الاوّل قبل ان تفضل عليه حميدتي ، فهي ايضاً مخادعة . تخدع باقي اعضاء الرباعية وتوهمهم انها تدعم مفاوضات السلام صباحاً ، ثم تأتي مساءاً لتخرِّب مبادرات السلام التي يسعى لها العالم . الظاهر ظهور الشمس الآن ان البرهان خفف كثيراً من حدة خطابه وحتى عمليات القوات المسلحة العسكرية شبه متوقفة ما عدا الفاشر ، في المقابل حميدتي اصبح كثير الظهور بصورة يومية في الإعلام في خطاب شديد الحِدة و الجرأة غير المبررة و قصف يومي بالمسيّرات على العاصمة الخرطوم. فضلاً عن وصول عضوية صمود كلها الى ابو ظبي الآن وشروعهم في تقديم عمل اعلامي مكثف بصورة شبه يومية ضد البرهان والجيش والإسلاميين ، وهذه كلها ليست سلوكيات جهة تريد السلام قبل ايام فقط من بداية مفاوضاته !
اما بقية اعضاء الرباعية فهم اقرب للبرهان من الإمارات لكنهم لا يردعونها ، امّا عجزاً او ضعفاً امام المال الإماراتي ، وامّا ان مزيداً من الضغط على البرهان لا يضرّ . و مما ارى ، استطيع بسهولة ان اتوقع مالذي سيُقال في مؤتمر الرباعية في واشنطن الاسبوع القادم و في المفاوضات القادمة ، سياسة العصا و الجزرة ذاتها كما كانوا يقولون للبشير ايام حرب الجنوب Fight and talk ، يلعبون على نفسية البرهان الوَحِلة في وحل السلطة ، من جهة يضغطون عليه بالمسيّرات والرأي العام العاصِمي الراغب في التفاوض ، ومن جهة يمنونه الأماني بصفقات التعدين وشركات الإستثمارات ، وهي سياسة معروفة في التفاوض.
انني اكاد افهم ما يفكِّر به البرهان فهو لا يمانع في الحديث عن السّلام كفكرة تُبقيه في الحكم و تضعه على علاقة جيدة مع العالم . لكن الممانعة الرئيسية آتية من الإمارات ، فحميدتي هو الذي يقصف يومياً مطار الخرطوم و يخرج يومياً ليشتم البرهان و يسيء الى الجيش و يحاصر الفاشر وهي كلها اعمال عدائية لا يمكن فهمها الا انها محاولات مستمرة لتخريب مبادرة السلام . ربما اكتشفت الإمارات – و من بعدها حميدتي – مؤخراً ان حظوظ البرهان في البقاء في السلطة اكبر من حظوظه هو بعد ان ساءت علاقته كثيراً مع سكان العاصمة الذين رأوا في البرهان خيراً مما رأوه فيه ، فآثر ان يخرِّب تلك المفاوضات ويهدم المعبد على رؤوس الجميع في حال لم يعطوه موثقاً من الرباعية انه سيحكم .
هنالك شيء قريب من هذا فعلته الإمارات مع طفلها المدلل في ليبيا خليفة حفتر . فبعد ان تشكلت حكومة جديدة في طرابلس بعد اتفاق الصخيرات ٢٠١٥ ودون اي مقدمات رفض حفتر الإعتراف بها و قام بمساعدة الإمارات و سياسيين في طبرق تشكيل حكومة موازية ، فلم تهتم حكومة طرابلس بالأمر واستمرت في عملها ، فقام حفتر بإجتياح طرابلس و ضرب مطار طرابلس الدولي وكادت ان تسقط المدينة لولا مسيرات البرقدار التركية . كانت الإمارات نفسها واحدة من الدول التي رعت اتفاق الصخيرات ! لكنها حينما لم تجد ما كانت تريده من حكومة طرابلس التي ترأسها فايز السرّاج و انقلبت على الإتفاق الذي رعته هي نفسها ، وهو الخطأ الذي تحاول ان لا تقع فيه الإمارات اليوم في السودان لعلمها ان الفجوة بينها وبين البرهان خاصةً والسودانيين عامةً صارت عسيرة على الرتق وانها بالتأكيد لن تجد من البرهان ما يمكن ان تجده من حميدتي ، على الأقل في الوضع العسكري الحالي في الوقت الراهن .
الخلاصة ان البرهان اصبح قريباً من كل أعضاء الرباعية ، ما عدا الإمارات . وهي تعلم ذلك ، و تدفع حميدتي و صمود دفعاً للتصعيد الإعلامي والعسكري كلما زاد تقارب البرهان مع بقية اعضاء الإتفاقية .
ما المتوقع ؟ فشل المفاوضات طبعاً ! فالإمارات لن تسمح ببقاء البرهان في الحكم ، و البرهان لن يقبل ببقاء الامارات في الرباعية طالما ظل حميدتي يقصف وصمود تصعِّد الخطاب العدئي ضده ، والطرفان لا يملكان اكثر من الرفض ، فليس ثمة قوة قادرة على ازاحة اياً منهما الآن . لقد مرّت ١٠ سنوات منذ فشل اتفاق الصخيرات ولا زالت ليبيا منقسمة الى ليبيا طبرق وليبيا طرابلس حتى اليوم ، من قال اننا اوفر حظاً منهم ؟