![]()
بعد التلويح بتصنيف قوات الدعم السريع “منظمة إرهابية”، والمطالبة بوقف إمدادات السلاح لها، أكدت الولايات المتحدة أن الأسابيع القليلة القادمة ستحمل أنباء عن هدنة في السودان.
وقال مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشؤون الإفريقية في إجابة عن سؤال لمراسل التلفزيون العربي، إنّ الإدارة الأميركية تعمل ضمن إطار الرباعية ودول أخرى على مسار هدنة إنسانية تستمر لثلاثة أشهر بهدف تثبيت هدنة بين طرفي القتال في السودان، مؤكدًا أن واشنطن تكثف اتصالاتها مع مجموعة من الشركاء لضمان التزام الأطراف بخريطة الطريق المقترحة.
معارك عنيفة وموجة نزوح جديدة
وفي جنيف، اعتمد أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالإجماع، مشروع قرار يقضي بتشكيل بعثة مستقلة لتقصي الحقائق في أحداث الفاشر تمهيدًا لضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
وفي الموازاة، وصل نازحون جدد إلى مخيم الأمم المتحدة في بلدة الطويلة بعد فرارهم من الفاشر، حيث سجلتهم مفوضية اللاجئين في ظل ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.
ووفق تقييم سابق لتدفق النازحين، لا يحصل سوى نحو 10% من سكان المخيمات على مياه نقية وخدمات أساسية، ما ينذر بأزمة إنسانية متفاقمة مع استمرار العمليات العسكرية واتساع نطاق الدمار.
ميدانيًا، أعلن الجيش السوداني سيطرته على منطقة أم دم حاج أحمد في ولاية شمال كردفان بعد معارك مع قوات الدعم السريع، وسط استمرار الكر والفر في محور كازقيل جنوب الأبيض.
وفي غرب كردفان، شدد قائد الفرقة الثانية والعشرين المحاصرة في بابنوسة على أن قواته لن تستسلم، مؤكدًا أن الجيش سيواصل القتال حتى النصر، فيما أعلنت قوات الدعم السريع جاهزيتها لشن هجوم على الفرقة. وأظهرت مقاطع مصورة وصول آليات اللواء الثالث إلى مشارف المدينة، في مؤشر على تصعيد مرتقب.
“إشكالية بنيوية”
وفي هذا الإطار، يقول الصحفي والكاتب السياسي ضياء الدين بلال، إن التوصل إلى تسوية لهذا النزاع يبدو أمرًا معقدًا، إذ تبرز إشكالية بنيوية تتعلق بطبيعة تكوين الرباعية، حيث يُتَّهَم أحد أطرافها بأنه المموّل والداعم والساند للميليشيا.
ويضيف في حديثه من أستوديوهات التلفزيون العربي في لوسيل، أن معظم الروايات والسرديات، سواء الخارجية أو المحلية، تميل إلى هذا الاتهام حتى الآن.
ويوضح بلال أن المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أكد أن الصراع في السودان هو صراع على موارد البلاد، وهو ما ينسف الرواية التقليدية التي كانت تُروَّج سابقًا بأن ما يحدث ليس سوى مواجهة بين جنرالين أو صراع سياسي أو حرب أهلية.
ويلفت إلى وجود أجندة عابرة للحدود تُسهم في تأجيج الأوضاع في السودان، مشيرًا إلى أنه كان يمكن إيقاف الحرب لو توفرت رغبة وإرادة دولية حقيقية.
ويضيف أن الموقف الحكومي السوداني كان واضحًا بشأن الهدنة المطروحة منذ يونيو/ حزيران الماضي، حيث أبدى الجيش والسلطات السودانية عمومًا استعدادهم للالتزام بها، بينما رفضت قوات الدعم السريع ذلك.
ويعتبر بلال أن عدم استجابة قوات الدعم السريع جعل كل الجهود الرامية إلى التوصل لتفاهمات أو اتفاقيات معها غير ذات جدوى، ولم يترك أمام الجيش سوى خيار الدفاع عن المدنيين وحماية سيادة الدولة ومؤسساتها، على حد وصفه.
ويشير إلى أن هناك طرفًا آخر يرفض أي تسوية سياسية في المستقبل القريب، ويظهر ذلك – بحسبه – في تصريحات القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي قال: “لا هدن ولا تفاوض حتى استسلام قوات الدعم السريع وإلقاء السلاح”.
ويقول بلال: إنّ “الميليشيا مكوّنة من عصابات ومجرمين من بلدان إفريقية مختلفة، وتستفيد من دعم خارجي لتجنّب أي مسار سياسي وللاستمرار في الحفاظ على المعادلة العسكرية القائمة”.
“استعادة تكتيكية”
من جانبه، يعتبر اللواء المتقاعد محمد الصمادي، محلل التلفزيون العربي للشؤون العسكرية والإستراتيجية، أن تعدد الأجندات الإقليمية بات يؤثر بشكل واضح على ميزان المعارك في السودان، مشيرًا إلى أن التقدم الميداني الحاصل حاليًا يحمل أهمية من زاوية تكتيكية.
ويضيف الصمادي في حديثه للتلفزيون العربي من عمّان، أن تقدم الجيش في محور كردفان يُعد أقرب إلى استعادة تكتيكية ضمن حملة عسكرية أوسع، ولا يمكن وصفه بأنه انقلاب مفاجئ أو دليل حاسم على تحول شامل في ميزان القوة، لكنه يقدم مؤشرات على تغيّر قد يكون إستراتيجيًّا خلال الأيام المقبلة.
ويشير إلى ضرورة مراعاة استخدام قوات الدعم السريع للطائرات المسيّرة والقصف المدفعي، موضحًا أن هذا الاستخدام ليس حكرًا عليها، إذ يمتلك الجيش السوداني القدرات ذاتها.
ويوضح أن هجمات الدعم السريع بالطائرات المسيّرة تمثل تطورًا في أنماط القتال، كونها تمنح قدرة على تنفيذ ضربات جوية بعيدة المدى وإحداث تأثير في العمق، لكنه شدد على أن هذا النوع من الهجمات لا يصبح حاسمًا دون غطاء أو دعم بري منظم.
وينوّه الصمادي إلى أن قوات الدعم السريع تسعى إلى إنشاء منطقة نفوذ متكاملة تمهيدًا لإعلان كيان سياسي أو إداري منفصل، معتبرًا أن هذا المسار يضع السودان أمام حرب وجودية بين الجيش والدعم السريع.
ويضيف أن إعلان التعبئة العامة من قبل الفريق عبد الفتاح البرهان قد يكون خطوة لتعويض نقص في القوى أو مقدمة لجولة عسكرية أوسع، كما قد يمثل غطاءً سياسيًا وشرعيًا للتوسع الميداني ومحاولة لحشد قاعدة اجتماعية وقبلية تصب في مصلحة الجيش، وهو ما يعزز – بحسبه – شرعية المؤسسة العسكرية.
“كشف النقاب عن الجرائم”
بدوره، يرى ويليام شاباس، أستاذ القانون الدولي في جامعة ميدلسكس البريطانية، أن المبادرة الأخيرة الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان تمثل خطوة مهمة، موضحًا أنها جاءت بطلب من المملكة المتحدة، وأن ثلث الأعضاء أيّدوا عقد الجلسة، الأمر الذي يمنح البعثة الموجودة منذ عامين ولاية لتقصي الحقائق في السودان.
ويقول شاباس في حديثه للتلفزيون العربي من باريس، إن هذه البعثة ستتولى كشف الجرائم المرتكبة في مناطق النزاع، ولا سيما في دارفور، مؤكدًا وجود إمكانية لتوسيع ولايتها بما يسمح بتحديد الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات، وهو ما قد يقود إلى استنتاجات مهمة وإدانة مرتكبيها.
ويوضح أن هناك أفرادًا يمكن اتهامهم بارتكاب فظائع، ما يفتح الباب لمقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية التي تمتلك ولاية قضائية في دارفور بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن قبل عشرين عامًا.
وينوّه إلى أن صور الأقمار الصناعية باتت أدوات غاية في الأهمية في التحقيقات الجنائية، إذ تساعد في جمع الأدلة المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وأضاف أن المواد المتاحة – وربما تلك التي أصبحت في المجال العام – كافية لإعداد تقرير قريب لبعثة تقصي الحقائق، والدفع نحو المقاضاة الجنائية وتحديد الأشخاص المشتبه بارتكابهم الجرائم.
ويتطرق إلى إمكانية تدخل المجتمع الدولي، مؤكدًا أن هناك أساسًا قانونيًا لدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية ومدّعيها العامين، لكن ذلك لا يعني سهولة التدخل السياسي الدولي المباشر، خصوصًا في ظل التعقيدات المرتبطة بالأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.
ويشير إلى أن تقارير تقصي الحقائق قد تُدين السلوكيات، لكنها لا تستطيع تجاوز الصلاحيات القانونية الممنوحة لها.
وخلص إلى أن فعالية أي إجراءات دولية تظل مرتبطة بانتهاء النزاع، مضيفًا: “ستكون الأدلة فاعلة، لكن ذلك لن يتحقق إلا عندما تصمت البنادق”.
