صوت المدافع أعلى من دعوات التهدئة.. لماذا لم يتم التوصل إلى هدنة في السودان؟

صوت المدافع أعلى من دعوات التهدئة.. لماذا لم يتم التوصل إلى هدنة في السودان؟

Loading

في السودان حيث لا تزال أصواتُ المدافع أعلى من كل دعوات التهدئة، تتجدد الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ولاية شمال كردفان، خصوصًا في مدينة بارا ومنطقة أم سيالة.

يأتي ذلك فيما تضاربت الأنباءُ خلال الساعات الماضية بشأن الوضع العسكري في المنطقة، في وقت يحاول فيه الجيش السوداني وقوات موالية له وقف تقدم قوات الدعم السريع في ولايات إقليم كردفان الثلاث.

وفي غرب كردفان، ما زالت بابنوسة محورًا لصراع مفتوح؛ فالجيش يقول إنه صدَّ هجومًا جديدًا على قيادة الفرقة الثانية والعشرين مشاة داخل المدينة، بينما تؤكد قوات الدعم السريع أنها تُحكم الحصار وتسيطر على أجزاء واسعة من المناطق المحيطة. 

كلّ ذلك يجري فيما تكثف الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون حديثهم عن هدنة إنسانية.

مستشار الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، قال إنّ الجيش والدعم السريع وافقا من حيث المبدأ على خطة هدنة إنسانية، تمهّد لثلاثة أشهر من وقف القتال، يتبعها مسار سياسي أطول.

والبيت الأبيض بدوره تحدث عن تنسيق مع دول أخرى لإنهاء الصراع في السودان، بعد التقارير المروعة عن المجازر في الفاشر ودارفور. 

لكن رغم كل هذه التصريحات، القتال لا يتوقف، والمعارك في بارا وأم سيالة وبابنوسة تكشف الفجوة بين لغة البيانات وحقيقة ما يجري على الأرض.

لماذا لا توجد تهدئة حقيقية حتى الآن في السودان؟

الهدنة المقترحة بلا خريطة طريق واضحة، وبلا جدول زمني ملزم، ومن دون آلية رقابة واضحة وآليات محاسبة.

الجيش السوداني ممثلًا في قيادته، اشترط لقبول الهدنة، انسحاب قوات الدعم السريع من الأحياء المدنية ونزع سلاحها في بعض المناطق، وهو ما يعني الدخول إلى مقترحات التهدئة بشروط مسبقة.

على صعيد آخر، تطغى الحسابات الميدانية على الضغوط الدولية، ويعتقد الجيش أن أيَ توقف الآن سيكرس مكاسب خصمه، لذلك يتحرك لاستعادة بلدات مثل كازقيل وأم سيالة وبارا، وتحصين حزام الدفاع حول الأبيض، قبل التفكير في أي مسار سياسي.

من جهة أخرى، الدعم السريع، الذي أحكم قبضته على الفاشر ومعظم دارفور، يرى في التقدم شرقًا نحو كردفان فرصةً لتثبيت واقع عسكري جديد، قبل أي وقف حقيقي للقتال، ولذلك يواصل الهجوم رغم إقراره العلني بقبول الهدنة.

ثالثًا، ومن أسباب غياب تهدئة حقيقية، تعدد الوسطاء وتضارب الأجندات؛ حيث هناك مسار الرباعية بقيادة واشنطن، ومسار جدة السابق، إضافة إلى محاولات من الاتحاد الإفريقي والإيغاد، لكن لا يوجد حتى الآن إطار واحد موحد يملك أدوات ضغط حقيقية على الطرفين، في ظل اتهامات مستمرة لدول إقليمية بتسليح هذا الطرف أو ذاك، وإطالة أمد الحرب لمصالح تتجاوز حدود السودان.

وبينما تتغير خرائط السيطرة يومًا بعد يوم من دون أن يقترب المسار السياسي من نقطة اختراق حقيقية، تتحدث الأمم المتحدة ومنظماتها عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم: ملايين النازحين، ومجاعات في مناطق عدة، ومجازر موثقة في دارفور وكردفان.

ويشير وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إلى أن 20% من الذين قتلوا في الفاشر من الأطفال، داعيًا مجلس الأمن إلى التدخل والحد من تدفق الأسلحة إلى السودان.

وهكذا، يمكن القول إن معارك بارا وبابنوسة وأم سيالة، أكثر من مجرد خطوط تماس عسكرية، فهي دليل على أن الأطراف المتحاربة ما زالت تراهن على السلاح لتحسين موقعها، في وقت تراهن فيه واشنطن وباقي الوسطاء على هدنة إنسانية لم تخرج بعد من حيّز التصريحات.

وما بين هدنة معلقة وحرب مستمرة، يبقى المدنيون في كردفان ودارفور وسائر السودان الخاسر الأكبر من صراع يتمدد في الزمن والجغرافيا.

“عقبات قد تحول دون الإسراع في توقيع الاتفاق”

تعليقًا على المشهد، يرى عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، أن المشكلة الأساسية تكمن في مسألة توقيع اتفاق الهدنة، ويشرح أنه حتى الآن لم يصل الحديث عن الهدنة إلى مرحلة توقيع الاتفاق.

ويقول في حديثه للتلفزيون العربي من القاهرة: “صحيح أن هناك موافقة مبدئية من الجيش ووفد الدعم السريع، وأن الطرفين كانا في واشنطن خلال الفترة الماضية حيث جرت مفاوضات غير مباشرة قدم فيها وفد الجيش شروطًا لتحقيق الهدنة لكي يضمن ألا تستغل لإعادة التموضع والتسليح”، على حد تعبيره.

ثم يردف: إلا أن “هذه الشروط ظلت تبحث من الطرفين، ومن الواضح من خلال تصريحات السيد مسعد بولس أنه تم التوصل إلى النهائيات، وهو يحث الطرفين على الإسراع في توقيع اتفاق الهدنة، ثم تنفيذها”.

ويعتبر أن هناك الكثير من العقبات التي قد تحول الآن دون الإسراع في التوقيع، مشيرًا أيضًا إلى احتمال وجود تردد من الحكومة.