![]()
يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إرسال إشارات متناقضة بشأن خططه تجاه فنزويلا، تتأرجح بين حديثه عن حوار “غامض” قد يبدأه مع رئيسها نيكولاس مادورو، وبين استعدادات عسكرية توحي بأن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا على الطاولة، وربما يلجأ إليه ترمب في أي لحظة.
فقد وصف ترمب، الإثنين الماضي، نظيره الفنزويلي بأنه “لم يكن جيدًا مع الولايات المتحدة”، ومع ذلك أبدى استعداده للحديث معه في وقت لاحق، من دون أن يستبعد احتمال إرسال قوات أميركية إلى فنزويلا.
وكان ترمب قد ألمح، الجمعة الماضي، إلى أنه اتخذ قرارًا بشأن ما سيفعله حيال كراكاس، قائلًا للصحافيين خلال رحلته إلى منتجعه في ولاية فلوريدا:
“لقد اتخذت قراري نوعًا ما، لكن لا يمكنني أن أخبركم ما هو. لقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا مع فنزويلا فيما يتعلق بوقف تدفق المخدرات”.
الكاريبي.. إشارات أميركية متضاربة
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان وزير الدفاع بيت هيغسيث، الخميس الماضي، بدء عملية عسكرية في أميركا اللاتينية أطلق عليها اسم “الرمح الجنوبي“. وكتب هيغسيث في منشور على منصة “إكس”:
“اليوم أعلن عن عملية الرمح الجنوبي.. هذه المهمة تدافع عن وطننا، وتزيل تجار المخدرات الإرهابيين، وتحمي وطننا من المخدرات التي تقتل شعبنا”.
ولم يقدم هيغسيث أي تفاصيل إضافية بشأن العملية، أو الفارق بينها وبين الضربات التي بدأت قبل أسابيع.
وما هي إلا أيام قليلة حتى وصلت حاملة الطائرات الأميركية “يو أس أس جيرالد فورد” إلى البحر الكاريبي. وتُعد هذه الحاملة الأكثر تطورًا في البحرية الأميركية، إذ تحمل أربعة أسراب من الطائرات المقاتلة (نحو 75 طائرة عسكرية)، ترافقها ثلاث مدمرات قاذفة للصواريخ وأكثر من 5000 جندي.
وذكرت القيادة العسكرية الجنوبية الأميركية (ساوثكوم)، التي تشمل منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، أن الحاملة “ستنضم إلى القوات الموجودة في البحر الكاريبي”، وبينها مجموعة برمائية ووحدة من مشاة البحرية.
وتنشر واشنطن منذ أغسطس/ آب الماضي قدرات عسكرية كبيرة، بينها ست سفن حربية، بزعم مكافحة تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، وقد شنّت خلال الأسابيع الماضية ضربات في المياه الدولية استهدفت نحو 20 زورقًا قالت إنها تُستخدم لتهريب المخدرات.
عمليات سرية للسي آي إيه وتصعيد غير معلن
ورغم وجود مؤشرات قليلة تستبعد عملاً عسكريًا أميركيًا واسع النطاق، فإن مؤشرات التصعيد تتزايد، حتى وإن كانت تندرج في سياق “التصعيد التفاوضي”. فقد أذن ترمب قبل أسابيع لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا، ولم يستبعد توجيه ضربات على أراضيها، قائلًا إن “أيام مادورو باتت معدودة”.
وكشف مسؤولون أميركيون، الجمعة الماضي (15 نوفمبر/ تشرين الثاني)، أن كبار مسؤولي إدارة ترمب عقدوا ثلاثة اجتماعات في البيت الأبيض لمناقشة الخيارات العسكرية المحتملة في فنزويلا.
ووفق وكالة “فرانس برس”، شارك في الاجتماعات نائب الرئيس جيه. دي فانس، ورئيس مجلس الأمن الداخلي، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، وآخرون. كما نقلت شبكة “سي بي إس نيوز” أن مسؤولين عسكريين قدموا إلى الرئيس خيارات تشمل غارات جوية على الأراضي الفنزويلية.
فنزويلا.. واستحضار سيناريو غزو بنما
لا تزال السيناريوهات الأميركية المحتملة للتعامل عسكريًا مع فنزويلا غير واضحة، لكن التقديرات تشير إلى ثلاثة خيارات رئيسية:
-
عمليات عسكرية محدودة تستهدف منشآت تزعم واشنطن أنها تُستخدم لإنتاج وتصدير المخدرات.
-
عمليات سرية تهدف إلى إسقاط أو اغتيال الرئيس مادورو من الداخل.
-
توغل عسكري محدود لاعتقال الرئيس الفنزويلي، على غرار غزو بنما عام 1989 الذي أسفر عن اعتقال الرئيس البنمي الراحل مانويل نورييغا.
ورغم أن الاحتمال الأخير مستبعد، فإن كراكاس تتحسّب له ضمن استعداداتها لمواجهة أي عمل عسكري محتمل.
سيناريوهات الحرب والسلام في فنزويلا بين ترمب ومادورو – “الأخيرة” (3 نوفمبر 2025)
ولا تزال قانونية شنّ غارات في مياه أجنبية أو دولية ضدّ مشتبه بهم لم يتم توقيفهم أو استجوابهم، موضع جدل داخل الولايات المتحدة، لكن الجمهوريين في مجلس الشيوخ عرقلوا في السابع من نوفمبر قرارًا يمنع ترمب من مهاجمة فنزويلا دون تفويض من الكونغرس، بعد تصويت 51 مقابل 49 صوتًا ضده.
سيناريو الانقلاب الأبيض
من بين السيناريوهات المطروحة أيضًا ما يُعرف بـ”الانقلاب الأبيض”، وهو تحرك داخلي يُطيح بمادورو من دون مواجهة عسكرية مباشرة.
وسُئل ترمب، في الثالث من نوفمبر الجاري، خلال مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي إس” عن احتمال شنّ حرب ضد فنزويلا، فأجاب: “أشك في ذلك، لا أعتقد ذلك”، لكنه أضاف: “بإمكاني القول نعم، أعتقد أن أيام مادورو باتت معدودة”.
ويرجّح أن تكون هذه إشارة إلى عمليات سرية تهدف لإزاحة مادورو عن السلطة بانقلاب عسكري رغم أنّ هذا مُستبعَد بالنظر إلى ولاء القوات المسلحة المطلق لمادورو، أو تحريك مقربين منه ضده، وهو ما تراهن عليه المعارضة بقيادة ماريا ماتشادو، الحائزة جائزة نوبل للسلام هذا العام، التي دعت الجيش والمقربين من الرئيس للتخلّص منه.
في المقابل، نفت نائبة الرئيس ديلسي رودريغيز بشدة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صحة تقارير أفادت بأنها وشقيقها خورخي يتفاوضان مع واشنطن لإزاحة مادورو مقابل البقاء في السلطة، ووصفت تلك المزاعم بأنها “أكاذيب ضمن الحرب النفسية ضد الشعب الفنزويلي”. وكتبت على تطبيق تلغرام:
“هذا كذب. وسيلة إعلام أخرى تُضاف إلى مكبّ النفايات للحرب النفسية ضدّ الشعب الفنزويلي. ليس لديهم أخلاق ولا ضمير، ولا يروّجون إلا للأكاذيب”.
وشدّدت نائبة مادورو على أن “الثورة البوليفارية لديها قيادة سياسية وعسكرية عليا موحّدة حول إرادة الشعب”، وأرفقت منشورها بصورة لها بجوار مادورو مرفقة بالتعليق الآتي: “معًا، ومتّحدون مع الرئيس مادورو”.
مكافأة خيالية وتمهيد لإنزال جوي
في الثامن من أغسطس/ آب الماضي، أعلنت واشنطن مضاعفة المكافأة المرصودة للقبض على مادورو، المطلوب للقضاء الفدرالي الأميركي بتهم اتجار بالمخدّرات، إلى 50 مليون دولار، بعدما كانت 25 مليونًا في يناير/ كانون الثاني.
ووصفت وزيرة العدل بام بوندي مادورو بأنه “أحد أكبر تجار المخدرات في العالم وتهديد للأمن القومي الأميركي”.
وأكد نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو أن المكافأة المرصودة “هي الأكبر في تاريخنا”، مشيرًا إلى أنّها تشكّل “ضعف ما كان معروضًا مقابل (القبض على) أسامة بن لادن“.
وتتهم واشنطن مادورو بإدارة كارتل يُعتقد أنّه أرسل مئات الأطنان من المخدّرات إلى الولايات المتحدة على مدى عقدين، بقيمة مئات الملايين من الدولارات.
ومنذ سبتمبر/ أيلول الماضي، صادرت الإدارة الأميركية أصولاً مرتبطة به تفوق قيمتها 700 مليون دولار، بينها طائرتان حكوميتان.
ويرى مراقبون أن رفع المكافأة المرصودة للقبض على الرئيس الفنزويلي قد يهدف إلى تحفيز مقربين من مادورو للإدلاء بمعلومات عن أماكن وجوده، تمهيدًا لإنزال جوي لقوات كوماندوز أميركية لاعتقاله، سواء بشكل منفصل، أو ربما بالتزامن مع تحركات للمعارضة في الشوارع.
استدراج مادورو.. فرضية غزو فنزويلا
تستند فرضية أخرى إلى احتمال تنفيذ “عملية سرية” تنسبها واشنطن إلى نظام مادورو لتبرير عملية عسكرية برية، محدودة أو واسعة النطاق، داخل الأراضي الفنزويلية تنتهي باعتقاله.
فقد أعلنت كراكاس، في 27 أكتوبر الماضي، تفكيك ما قالت إنها “خلية إجرامية” مرتبطة بـ”سي آي إيه”، كانت تخطط لمهاجمة سفينة أميركية في ترينيداد وتوباغو، لتوجيه الاتهام إلى حكومة مادورو بالوقوف خلف الهجوم.
وتتحسّب فنزويلا لهذا السيناريو، خصوصًا أنّ لديها سجّلًا من السوابق الأميركية الشبيهة، فقبل أدائه اليمين الدستورية لولاية ثالثة أعلن مادورو في مطلع يناير الماضي القبض على سبعة “مرتزقة” أجانب، بينهم أميركيان وكولومبيان وثلاثة أوكرانيين، قائلًا إنهم “جاؤوا لتنفيذ أعمال إرهابية ضد السلام”.
وجاء إعلان التوقيف بعد ساعات قليلة على لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن المعارض الفنزويلي إدموندو غونزاليس أوروتيا، الذي خاض الانتخابات الرئاسية ضد مادورو.
سابقة نورييغا
باتهام مادورو بالاتجار بالمخدرات، تعيد واشنطن إلى الأذهان سابقة اعتقال الرئيس البنمي مانويل نورييغا عام 1989 بالتهمة نفسها، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
فقد اجتاح أكثر من 27 ألف جندي أميركي بنما في 20 ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام لاعتقال نورييغا الذي كان مطلوبًا لإحدى المحاكم في فلوريدا بتهمة الاتجار بالمخدرات.
لجأ نورييغا بعد الغزو إلى السفارة البابوية حيث بقي أسبوعين قبل أن يسلّم نفسه للقوات الأميركية في 3 يناير 1990، ثم سجن حتى وفاته في 2017، في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبنما، وذلك بعد إدانات بتهم الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال والإخفاء القسري لخصومه.
من رحيل تشافيز إلى محاولات الاغتيال والغزو
يعود العداء الأميركي لفنزويلا إلى ما قبل مادورو، إذ بدأ مع سلفه هوغو تشافيز الذي توفي في مارس/ آذار 2013 بعد أن اختار مادورو خليفة له.
وخلال فترة توليه الرئاسة بالوكالة، اتهم مادورو في أبريل/ نيسان 2013 سفيرين أميركيين سابقين بتدبير مؤامرة لاغتياله قبل الانتخابات الرئاسية التي كانت ستجري في الشهر نفسه.
كما اتهم “اليمين السلفادوري” بإرسال قتلة مأجورين لتنفيذ العملية، مؤكدًا أن هدفهم قتله لأنه “لا يمكنهم الفوز في انتخابات حرة ونزيهة”.
وأضاف مادورو:
“وراء كل هذا يقف روجر نورييغا وأوتو ريش وكذلك اليمين السلفادوري الذي أرسل قتلة مأجورين لاغتيالي”.
وكان مادورو قد اتهم قبل ذلك بنحو أسبوعين روجر نورييغا وأوتو ريش (سفيرا واشنطن في فنزويلا وفي منظمة الدول الأميركية) بالتخطيط لاغتيال منافسه في الانتخابات الرئاسية، زعيم المعارضة هنريكي كابريليس، بهدف إغراق البلاد في “الفوضى”، ودعا الرئيس باراك أوباما لمنع تنفيذ هذا المخطط.
وأكد مادورو أن الهدف من وراء المخطط هو “تحميل مسؤولية (الاغتيال إذا حصل) للحكومة” وخلق فوضى في البلاد.
محاولة غزو عام 2020
لم تقتصر اتهامات مادورو لواشنطن على محاولة اغتياله عام 2013 بل كرّر الاتهام بعد ذلك مرارًا. ففي مايو/ أيار 2020، أعلنت كراكاس إحباط محاولة “غزو” نفذها مرتزقة، بينهم جنديان أميركيان سابقان، لوك دينمان وآيرن بيري، بهدف الإطاحة بمادورو.
وقال الرئيس الفنزويلي إن الأميركيين المعتقلين بعد محاولة التوغل في البلاد من طريق البحر، “عضوان في جهاز أمن الرئيس ترمب”، متهمًا الأخير بتدبير العملية.
لكن ترمب ردّ ساخرًا:
“لو أردت دخول فنزويلا، لما أخفيت الأمر. كنت سأدخل بجيش كامل، وليس بمجموعة صغيرة.
كلا، كلا، كلا، سيكون اسمه جيشًا. وسيكون اسمها عملية غزو”.
ووصف مادورو العملية بأنها “تكرار لغزو خليج الخنازير” عام 1961 عندما حاول كوبيون في المنفى بتمويل وإدارة واشنطن الإطاحة بالزعيم الكوبي فيدل كاسترو.
وعرض تسجيلًا لاستجواب أحد الموقوفين يؤكد فيه أن العملية كانت بتكليف من ضابط أميركي سابق هو جوردان غودرو، مؤسس شركة أمنية خاصة تُدعى “سيلفر كورب يو إس إيه”، للتغلغل في فنزويلا وإسقاط مادورو.
وردًا على سؤال المحقق حول من يقف وراء هذه العملية، أجاب دنمان أنه دونالد ترمب.
