التدمير مستمر.. إسرائيل تفرض شروطًا تعجيزية تعرقل إعادة إعمار غزة

التدمير مستمر.. إسرائيل تفرض شروطًا تعجيزية تعرقل إعادة إعمار غزة

Loading

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الهدم والنسف في قطاع غزة بمحاذاة “الخط الأصفر” وسط تزايد الحديث الدولي عن اليوم التالي للحرب على غزة.

وتبدو إعادة الإعمار عنوانًا مركزيًا شديد التعقيد، ليس بسبب نقص التمويل أو غياب المبادرات السياسية، بل بفعل منظومة قيود إسرائيلية متشابكة تحول الإعمار إلى ملف أمني بامتياز.

وتتذرع إسرائيل بتوسيع ملف تصنيف المواد مزدوجة الاستخدام، وربط إدخالها بشروط أمنية وسياسية. وبين اشتراطات الاحتلال وضغوط الواقع الإنساني، يقف القطاع أمام وعود إعادة إعمار مؤجلة ومشروطة ومفتوحة على احتمالات التعطيل أكثر من فُرص النهوض.

موافقات أمنية معقدة ومتغيرة للاحتلال

وبحسب معطيات موثوقة اطلعت عليها أطراف مشاركة في نقاشات إعمار القطاع، فإن العقدة المركزية اليوم لا تتعلق بالتمويل أو حتى بالترتيبات السياسية العامة، بل بما تُصِرُّ إسرائيل على تصنيفه مواد ومُعدَّات مزدوجة الاستخدام.

والتصنيف الذي يبدو تقنيًا في ظاهره، يحمل في جوهره أبعادًا سياسية وأمنية عميقة، لأنه يضع مُعظم أدوات الإعمار الأساسية تحت رقابة أمنية إسرائيلية مشددة وغير مضمونة النتائج.

ولا يدور الحديث عن مواد استثنائية أو نادرة، بل عن أساسيات أيّ عملية بناء حديثة، الأسمنت بكل أنواعه والحديد والخرسانة الجاهزة، والهياكل المعدنية، والأنابيب الكبيرة، والرافعات، والجرافات. كما وصل الأمر إلى تصنيف الخيام وقُضبانها المعدنية ضمن هذه الفئة، بذريعة احتمالات استخدام غير مدني، ما يعكس مدى توسع المفهوم الأمني الإسرائيلي.

ولا يتوقف الأمر عند البناء فقط، بل يمتد إلى قطاعات الطاقة والمياه والخدمات الأساسية، ومولدات الكهرباء والألواح الشمسية، والبطاريات الصناعية، والمُحولات، والكابلات السميكة، ومُعدَّات شبكات المياه والصرف الصحي، كلها خاضعة لهذا التصنيف، والنتيجة أن أيَّ مشروع إعمار في القطاع، حتى لو توفرت له الأموال والغطاء الدولي يبقى رهينة موافقات أمنية معقدة ومتغيرة للاحتلال.

شروط إسرائيلية تعجيزية أمام إعادة الإعمار

وتشير التجربة السابقة في غزة بعد كل جولة حرب إلى نمط متكرر للاحتلال، حيث يسمح بدخول بعض المواد بكميات محدودة، لا تكفي لإطلاق عملية إعمارٍ شاملة، بل تفرض إدارة أزمة طويلة الأمد، وهذا يجعل الحديث عن إعادة إعمار حقيقية مشروطًا بقرارات جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا بحاجات السكان ولا بخطط المانحين.

وبحسب مصدر مطلع على خطط الإعداد لإعمار القطاع، فإنّ أيّ نقاش جدي حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، لا يمكن أن يتجاهل القيود الإسرائيلية التي تحولت عبر السنوات من إجراءات أمنية استثنائية إلى منظومة دائمة تتحكم في شكل وحجم ونطاق أيّ عملية إعمار محتملة.

سياسيًا، تربط الحكومة الإسرائيلية هذا الملف بشروط إضافية، أبرزها مسألة سلاح حركة حماس. فتصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر واضحة في هذا السياق، حين جعل إعادة الإعمار مشروطة بنزع السلاح، وهذا الشرط تحديدًا. تعرف إسرائيل مسبقًا مدى تعقيده واستحالته في المدى المنظور.

في المقابل، تطالب حركة حماس الوسطاء بالضغط لبدء إعمار فعلي، معتبرة أن القيود والتصعيد يعكسان رغبة إسرائيل في إبقاء غزة في حالة هشاشة دائمة. وبين هذين الموقفين، يبقى المدني الغزي هو الخاسر الأكبر..

إجراءات الاحتلال تعقّد أيّ عملية مستقبلية لإعادة الإعمار

وفي هذا الإطار، يؤكد أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة، أن الاحتلال يواصل عمليات التدمير والنسف في مناطق واسعة من القطاع، حيث تُسمَع على مدار الساعة أصوات الانفجارات القادمة من مناطق تقع خلف ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”.

ويلفت الشوا، في حديث إلى التلفزيون العربي من مدينة غزة، إلى أن الاحتلال يعمل، إضافة إلى ذلك، على توسيع مناطق “الخط الأصفر” باتجاه المناطق السكنية، مشيرًا إلى أنه بات يسيطر على نحو 59% من مساحة قطاع غزة.

ويشدد على أن الاحتلال يعمد إلى تدمير تلك المناطق بشكل كامل، لدرجة أنه “يقوم بهرس الركام”، موضحًا أن هذه الإجراءات تُعقّد أي عملية مستقبلية لإعادة الإعمار أو أي خطة للتعافي، فضلًا عن أن “عودة السكان إلى تلك المناطق ستكون مؤلمة وموجعة” في حال تحقق الانسحاب الإسرائيلي وفق خطة وقف إطلاق النار في مرحلتها الثانية.

ويقول الشوا إن التقديرات تشير إلى أن الاحتلال دمّر نحو 85% من المساكن في قطاع غزة تدميرًا كليًا، إضافة إلى آلاف المنازل التي دُمّرت جزئيًا وأصبحت آيلة للسقوط.

ويضيف أن الاحتلال دمّر أيضًا البنى التحتية، إذ جرى تدمير نحو 90% من المنشآت الحيوية، بما في ذلك الجامعات والمدارس وغيرها، لافتًا إلى وجود ما يقارب 61 مليون طن من الركام في مختلف مناطق قطاع غزة، ومؤكدًا أن هناك صعوبات كبيرة تتعلق بإمكانية التخلص من هذا الركام.