فجوة الواقع والتوقعات تُصيب الخريجين بـ«الندم الأكاديمي»

فجوة الواقع والتوقعات تُصيب الخريجين بـ«الندم الأكاديمي»

Loading

«طبيب، مهندس، أم ضابط»… ظلت هذه المهن تمثل أمنيات كثير من الأسر العربية لأبنائها على مرّ الأزمان، فيما جاءت المسارات الأدبية في مرتبة تالية. غير أن واقع سوق العمل، بعيدًا عن المظهر الاجتماعي التقليدي، يكشف عن مفارقة مقلقة؛ إذ تشير دراسة حديثة إلى أن 44% من الخريجين يتمنون لو أتيحت لهم فرصة تغيير تخصصاتهم الجامعية لو عاد بهم الزمن. هذا «الندم الأكاديمي» ليس مجرد إحساس عابر، بل يعكس قرارًا استراتيجيًا مؤثرًا في المسار المهني والحياتي.
ولتجاوز الاصطدام بـ«الندم الأكاديمي» في سوق العمل، ينبغي أن يستند اختيار التخصص إلى فهم عميق لاحتياجات السوق، وتحقيق توازن بين ميول الطالب وقدراته، وبين ما يمكن أن يوفره التخصص من فرص مهنية مستقبلية، مع الانتباه إلى أهمية تطوير الذات والتعلّم المستمر بعد التخرج.
وتأتي هذه المقدمة على خلفية نتائج دراسة بيّنت أن عددًا غير قليل من الخريجين أكدوا أنهم سيغيرون اختياراتهم الدراسية لو عاد بهم الزمن إلى سنة اتخاذ القرار.
الدراسة، التي أجرتها شركة ZipRecruiter استنادًا إلى استطلاع شمل أكثر من 1500 خريج يبحثون عن عمل، أقرّ فيها ما يقارب 44%  من المشاركين بأنهم كانوا سيختارون تخصصًا مختلفًا عن الذي درسوه في الجامعة.
وتصدّرت دراسة الصحافة قائمة «الندم الأكاديمي»، حيث عبّر 87%  من خريجيها عن رغبتهم في تغيير تخصصهم، تلتها تخصصات علم الاجتماع والفنون/الدراسات العامة بنسبة (72%)، ثم الاتصالات (64%) والتعليم (61%). كما شملت القائمة تخصصات أخرى مثل إدارة التسويق والبحوث، والمساعدة الطبية/السريرية، والعلوم السياسية، والأحياء، واللغة الإنجليزية، والأدب، بنسب متفاوتة من الندم.
لكن، ما الذي يجعل هذه التخصصات أكثر عرضة للشعور بالندم؟
يمكن تفسير ذلك جزئيًا بعامل العائد الاقتصادي والوظيفي؛ فعلى الرغم من أن بعض هذه التخصصات تقدّم معرفة ثقافية وفكرية ذات قيمة، فإن كثيرًا منها لا يترجم بسهولة إلى فرص عمل مستقرة أو رواتب مجزية في المراحل الأولى من المسار المهني، مقارنة بتخصصات تقنية أو تطبيقية أخرى. وقد أظهر الاستطلاع أن خريجي مجالات مثل علوم الحاسوب، والهندسة، والتمريض، وإدارة الأعمال كانوا عمومًا أكثر رضا، نظرًا لارتباط تخصصاتهم بطلب قوي في سوق العمل وأجور أعلى، ما انعكس إيجابًا على تقييمهم لاختياراتهم الدراسية.
غير أن السؤال الأعمق الذي يطرحه هذا الاستطلاع لا يتعلق فقط بالرواتب أو العائد المالي، بل بالفجوة المتزايدة بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل المتغير. ففي السنوات الأخيرة، بدأ الجيل الجديد من الطلاب يعيد النظر في قيمة الدرجة الجامعية نفسها، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة التعليم، وتنامي البدائل المهنية مثل التدريب الفني، والشهادات التقنية القصيرة، فضلًا عن التحولات المتسارعة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على سوق العمل.
وعليه، لا يمكن اختزال القضية في مجرد «اسم رنّان» أو تصنيف ثنائي بين «تخصص جيد» و«تخصص سيئ»، بل في كيفية مواءمة الطموح الفردي مع فهم واقعي ودقيق لسوق العمل ومتطلباته المستقبلية.