آثار التطبيقات الاجتماعية على الأجيال الجديدة

آثار التطبيقات الاجتماعية على الأجيال الجديدة

Loading

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التحوّل الرقمي، أصبحت تطبيقات التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، لا سيما لدى الأجيال الجديدة. هذا الحضور الكثيف للتكنولوجيا جاء متزامنًا مع تحديات اجتماعية وثقافية واضحة، حيث تتداعى بعض القيم الاجتماعية، وتضعف الروابط الأسرية، وتبرز أنماط جديدة من السلوك والتفكير، ما يجعل من تأثير هذه التطبيقات قضية تستحق التوقف عندها والتحليل.

لا يمكن النظر إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي على أنها شرّ مطلق أو خير مطلق، فهي تحمل في طياتها وجهين متناقضين. فمن جهة، أسهمت هذه المنصات في توسيع آفاق المعرفة، وسهّلت الوصول السريع إلى المعلومات، ووفّرت فرصًا واسعة للتعلّم الذاتي والتعبير الحر عن الرأي. كما مكّنت الشباب من بناء علاقات اجتماعية تتجاوز حدود الجغرافيا، وساعدتهم على اكتساب مهارات رقمية أصبحت من متطلبات العصر الحديث وسوق العمل.

في المقابل، كشف الاستخدام المفرط وغير المنضبط لهذه التطبيقات عن آثار سلبية لا يمكن تجاهلها. فقد أدى إلى ضعف التواصل المباشر بين الأفراد، وزيادة مظاهر العزلة الاجتماعية، وتراجع مهارات الحوار الواقعي. كما ارتبط الإفراط في استخدامها بزيادة التعلّق بالشاشات، وظهور مشكلات نفسية مثل القلق والتوتر وقلة التركيز، إلى جانب التأثر بقيم وسلوكيات دخيلة على المجتمعات المحلية، قد لا تنسجم مع الأعراف الثقافية السائدة.
وقد اهتم عدد من الباحثين السودانيين بدراسة أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب، كلٌّ من زاويته الخاصة. فقد تناولت دراسة للباحث عبد النبي عبد الله الطيب اتجاهات الشباب السوداني نحو انتهاك الخصوصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موضحةً كيف تحوّلت بعض المنصات إلى أدوات للإساءة الاجتماعية، وما يترتب على ذلك من آثار سلوكية وأخلاقية.

وفي السياق الأكاديمي، بحثت دراسة للدكتورة شذى الزين محمود تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما موقع فيسبوك، على التحصيل الدراسي لطلاب جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. وخلصت الدراسة إلى أن هذه الوسائل يمكن أن تسهم في تنمية المهارات الفكرية إذا أُحسن استخدامها، لكنها قد تصبح عاملًا سلبيًا مؤثرًا على الأداء الأكاديمي في حال الإفراط أو سوء الاستخدام.

أما الباحث السيد عبد الباقي بركات، فقد قدّم دراسة تحليلية لخطاب الشباب السوداني على منصة فيسبوك، مبرزًا كيف تعكس هذه الخطابات أنماط تفكير الشباب وتفاعلهم مع قضايا المجتمع، مثل الأزمات والكوارث الطبيعية. كما تناولت دراسات أخرى دور وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير السياسي بالسودان، خصوصًا خلال فترات الحراك، حيث لعبت هذه المنصات دورًا محوريًا في التعبئة والتعبير السياسي.
وتشير مجمل هذه الدراسات إلى حقيقة واضحة: الشباب السوداني، كغيره من شباب العالم، يستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي بكثافة، لكن غالبًا دون وعي كافٍ بمخاطرها. فبينما تفتح هذه التطبيقات آفاقًا جديدة للمشاركة المجتمعية والانخراط المدني، فإنها قد تسهم في تفكك الروابط الاجتماعية التقليدية إذا غاب التوجيه والضبط.
ويبقى الأثر الحقيقي لتطبيقات التواصل الاجتماعي مرتبطًا بطريقة استخدامها. فالاستخدام الواعي والمتوازن يمكن أن يجعل منها أداة للبناء والتطوّر ونشر المعرفة، بينما يحوّلها الاستخدام المفرط وغير المنظّم إلى عامل سلبي يؤثر في شخصية وسلوك الأجيال الجديدة. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى دور الأسرة، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام،في تعزيز الثقافة الرقمية، وتوجيه الشباب نحو استخدام رشيد يحفظ القيم ويواكب العصر في آنٍ واحد.