لوري عبد القادر وعديلة مكي

لوري عبد القادر وعديلة مكي

Loading

فجع الوسط الفني، بل الشعب السوداني بأسره بالرحيل المفاجئ في الهزيع الأخير من سنتنا الميلادية 2025 لعمدة الفنانين الجليل د. عبد القادر سالم، الذي تخطى نطاق برنامج ربوع السودان الذائع الصيت بتربعه على صدر البرنامج العام وهو ينقل بحسه الذواق ولمسته الشفيفة الفن الكردفاني المتنوعة ألوانه إلى جموع الشعب السوداني، التي ترنمت معه في طليعة مشواره الفني الزاخر بأغنية:
اللوري حل بي
دلاني في الودي
التي جسدت في الأخيلة جمال الطبيعة السخية في كردفان الغرا أم خيرا برة .. وبرة هذه مفردة ذكية توحي بأن الخير فاض عن جوة وتدفق برة، واللبيب بالإشارة يفهم.
جهود د. عبد القادر نقيب الفنانين عبر صندوق الاقتراع الحاسم تتويجا لمواقفه الإنسانية الرفيعة تجاه زملائه لم تتوقف عند ارتياد الأفق القومي فحسب، بل ظل يدرس التراث بروية على الطبيعة في مظانه ويقدمه بلونيته المترعة لجمهوره العريض في الداخل والخارج ولكم أشعل ليالي أوروبا، التي تموت من البرد حيتانها بحرارة إيقاعات السودان اللاهبة في أرقى الصالات مثل كوين اليزابيث هول بلندن، التي جعلت عشاق فنه الرفيع الخواجات، فضلا عن السودانيين، يتفاعلون طربا ويتمايلون رقصا.
اتجه فناننا الكبير لدروب الدراسة الأكاديمية وهو يسبر غور التقصي التي توجها بنيل درجة الدكتوراه عن أطروحته ” الأنماط الغنائية في إقليم كردفان ودور المؤثرات البيئية في تشكيلها “، وهي كما ترون مبحث غزير.
وقد عاونه فهمه العميق لفسيفساء المكونات المجتمعية على ترتيب بعض المصالحات المستعصية، زائدا الرفيعة مكانته والمكين تقديره.
في الشمال النوبي كان هناك موهوب آخر يشابه د. عبد القادر في أنه معلم وأنه درس معهد الموسيقى والمسرح، وأنه سخر عمره في دروب الفن والبحث التراثي .. إنه الأستاذ متعدد المواهب صديقي النبيل مكي علي إدريس، الذي غنى بلغته النوبية وأطرب رغم محدودية مداه الصوتي مثل د. عبد القادر سالم أيضا، فهو لم يكن في طلاقة صوت أبوداود مثلا، ولهذا تكسب آخرون من إنتاجه أكثر منه، ولصديقي، قريبي د. فؤاد شيخ الدين ” أشو، الدمام” مقال شائق في هذا المنحى حيال المبدعين النوبيين، لكن دواخل مكي الغنية المبدعة واقتباسه مفردات موحية من البيئة العريقة واختياره الألحان التي تداعب أوتار القلوب جعلت أغانيه تنداح في الآفاق وتملأ الساحات وتعانق البراح القومي، بل الخارجي بدليل زيارة مهتمين أجانب موطنه عبري لدراسة فرادة البيئة التي ألهمته إبداعه المتميز، الذي جعل ألمع الفنانين على المدى القومي يرددونه في حفلاتهم مثل أغنية عديلة التي يقول مطلعها:
عديلة وو أويين فجلي أوو
أي
يعدل طريقك يا من سنشتاق إليه!
ومفردة عديلة يستخدمها العامة عادة في وداع المسافر، التي وظفها مكي في مطلع أغنيته الأعلى شهرة، التي درج الفنانون النوبيون على اختتام حفلاتهم بها بحسبانها أرقى وداع وأرق افتراق.
كما انسحب د. عبد القادر توارى مكي في مدارج 2025، ارتقاء إلى معارج الدار العلية، اللذان ستظل ذكراهما في القلوب متربعة وأعمالهما الباهرة في وجداننا متفرهدة.
وداعا المبدعان المتشابهان جهيرا السيرة والصيرورة عبد القادر ومكي
عديلة!
*سادتي قرائي أحبابي
أرق التهاني وأعذب الأماني بإطلالة 2026