القصة الكاملة لصعود زهران ممداني.. “نقيض ترمب” الذي أصبح عمدة نيويورك

القصة الكاملة لصعود زهران ممداني..

Loading

فاز الديمقراطي زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك الأميركية، على الرغم من الضغوط والحملات التي تعرّض لها، خصوصًا من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وكان ترمب قد هدّد بتقليص التمويل المخصّص للمدينة في حال فوز ممداني، بعدما وصفه في وقت سابق بـ”الشيوعي البشع“.

ممداني، الذي لم يُخفِ دعمه للفلسطينيين في حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، رفع خلال حملته الانتخابية شعارات معيشية واجتماعية.

وقد قال في حديث سابق للتلفزيون العربي إنّه ليس متحمّسًا فقط لفكرة أن يكون أول عمدة مسلم لنيويورك، البالغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، بل أيضًا لقيادة مدينة يبلغ عدد سكانها اليهود قرابة مليون نسمة.

فما قصة صعود زهران ممداني، الذي وُلد في أوغندا لعائلة من أصل هندي، وهاجر إلى الولايات المتحدة في سن السابعة وحصل على جنسيتها عام 2018؟ وما سبب عداء ترمب له؟

قصة صعود زهران ممداني

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فاز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسرعان ما استعاد موقعه كلاعب محوري في السياسة الأميركية، حتى إنه بدا منذ ذلك الحين وكأنّه مركز العالم، فيما تدور البقية في فلكه.

لكنّ لاعبًا جديدًا من خارج الحسابات الانتخابية المعهودة ظهر في المقابل في نيويورك، فحوّل معركة الانتخابات البلدية في مدينة اعتادت نخبتُها التقليدية أن ترسم حدود اللعبة السياسية، إلى معركة على هويّة البلاد نفسها.

هنا، دخل أندرو كومو السباق بثقة من ينتظر أن تتوّجه المدينة عمدةً من جديد؛ فهو الحاكم السابق لولاية نيويورك، وابن أحد أبرز حكّامها. وقد عاد إلى الساحة المحلية بعد خروجه من المنصب عام 2021، إثر فضيحة إدارة دور رعاية المسنّين التي شهدت أكثر من 12 ألف وفاة خلال جائحة كورونا، إضافة إلى اتهامات بالتحرش الجنسي داخل إدارته وخارجها.

فوز زهران ممداني في نيويورك لم يكن مجرّد انتصار محلي، بل إشارة إلى أن خطاب العدالة الاجتماعية يمكنه أن يهزم المال، حتى في عاصمة المال نفسها.

كان خصومه الانتخابيون في انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية كُثرًا، وأضعفهم في استطلاعات الرأي كان زهران ممداني: عضو مجلس محلّي، شاب من أحياء كوينز، اشتراكي مسلم، يعتمد في حملته على التبرعات الصغيرة.

لكن ما بدأ كحملة رمزية، سرعان ما تحوّل إلى عاصفة سياسية.

فقد وقع زلزال سياسي في أروقة الحزب الديمقراطي مع انتصار ممداني في الانتخابات التمهيدية، بعد أن ألقى الحزب بثقله دعمًا لكومو في مواجهته.

في حديث إلى برنامج “هامش جاد“، قال ممداني في وقت سابق إنّ “حملته بُنيت على فكرة أن عظمة المدينة تأتي من قدرة سكانها على تحمّل تكاليف العيش فيها، وأنه ليس من المبالغة أن نطالب بأن يتمكن السكان من تحمّل تكاليف إيجارهم وتذاكر القطار ورعاية أطفالهم والعيش حياة كريمة”.

عمليًا، انتصار ممداني كان مدعومًا من التقدميين المعارضين لنهج الحزب الرسمي، من أمثال السيناتور بيرني ساندرز، والنواب ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، وغيرهم.

غير أن ارتدادات هذا “الزلزال” توسّعت لتؤرق دوائر البيت الأبيض ورئيسه، الذي فاز بأجندة شعبوية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ورأى في حالة ممداني خطرًا قادرًا على ركوب موجة التذمر والغضب الشعبي نفسها التي أوصلت ترمب إلى الرئاسة، لكن مع توجيه هذه النقمة الشعبية إلى الضفة الأخرى، بدل تسخيرها وقودًا للحكم الحالي.

ترمب يدعم منافس زهران ممداني

لم يقتصر السخط “الترمبي” على الهجوم الإعلامي، بل وصل إلى حدّ دعم كومو، الذي عاد إلى سباق انتخابات عمدة نيويورك بوصفه مرشحًا مستقلًّا، رغم خسارته الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي أمام ممداني.

وعن كومو، تحدّث ممداني في حديثه إلى التلفزيون العربي، حيث أشار إلى أنّه قاد الولاية لأكثر من عقد من الزمن، وهو ابن حاكم سابق، مشيرًا إلى أنّه بنى حملته الانتخابية بأكملها على فكرة الحتمية، “أي أنه سيفوز، وأن السؤال هو بأي قدر سيفوز؟”.

وأضاف:

لقد هزمناه بفارق 13 نقطة، وفزنا بأكبر عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات التمهيدية لمدينة نيويورك، وهو لا يزال يكافح لاستيعاب ذلك.

ما نعرفه هو أن سكان نيويورك يريدون سياسة المستقبل، ومع ذلك فإن كومو، في يأسه، مستعد للعمل حتى مع شخص مثل الرئيس ترمب؛ إذ لا يجمعهما سوى الأمل في إفشال حملتنا.

مقابلة خاصة للتلفزيون العربي مع زهران ممداني – سبتمبر 2025

أميركا ترمب وأميركا ممداني

لكن، كيف وصلت الولايات المتحدة إلى هنا؟ كيف تحوّلت أميركا الغاضبة، خلال أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية، إلى أميركيتين: أميركا ترمب وأميركا ممداني؟ وكيف لانتخابات بلدية أن تصبح مركز صراع ذي أبعاد وطنية؟

وُلدت “الترمبيّة” بوصفها حركة تمزج الخوف بالحنين، والاقتصاد بالعرق، والدين بالسياسة.

صار يُلقى باللوم في البطالة على الهجرة، لا على السياسات التي أعطت الأولوية لتعظيم أرباح الشركات على أي شكل من أشكال العدالة الاجتماعية.

وما بدا في ولاية ترمب الأولى مشروعًا شعبويًا قليل الترابط الفكري، بات أكثر تركيزًا ووضوحًا مع بداية ولايته الثانية.

يقول الصحافي والكاتب الأميركي رايان غريم: “أعتقد أن ترمب ازداد تطرفًا خلال سنواته الأربع خارج السلطة؛ فهو رجل يحدّد نظرته إلى العالم على أساس موقف الآخرين منه: لا يهمه ما يؤمنون به أو ما يفكرون فيه، فإذا أحبّوه أحبّهم”.

لكن في خضم هذا الصعود لحركة ترمب التي استولت على الحزب الجمهوري وأخمدت الأصوات المعارضة فيه، برز داخل الحزب الديمقراطي صوتٌ يحاكي مصادر الغضب الشعبي نفسها.

وعوض أن يصبّ هذا الغضب على المهاجرين والأقليات والدول الأخرى، راح يُوجّهه ضد فئة المليارديرات الأميركيين والشركات الكبرى، مطالبًا بتعزيز الضرائب عليهم لردم الهوّة الاجتماعية المتسعة، ولتمويل مشاريع اجتماعية مثل مجانية الرعاية الصحية، وتخفيض تكاليف التعليم، وتحسين الخدمات الاجتماعية للطبقات الدنيا.

صاحب هذا الصوت كان المرشح للانتخابات الرئاسية في الحزب الديمقراطي عام 2016، بيرني ساندرز، الذي أسَّس في تلك الحملة البنية الفكرية لشاب تخرّج قبل ذلك بسنتين: هو زهران ممداني.

وقد شكّل صعود ساندرز المفاجئ في تلك الانتخابات صدمة للمنظومة الحاكمة للحزب الديمقراطي، التي كانت تستعد لتتويج هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية من دون منافسة تُذكر، خصوصًا مع خطاب ساندرز الطبقي من جهة، وحربه على اللوبيات وتأثير المال في السياسة من جهة أخرى؛ إذ اتهمها بتحوير توجهات الحزب من مناصرة العمال والفقراء والطبقة الوسطى، إلى مناصرة الشركات الكبرى وكبار الممولين الذين يموّلون السياسيين والمرشحين.

ويلفت رايان غريم إلى أن هذا الصعود لسياسات العدالة الاقتصادية غُذِّيَ أيضًا من حملة هيلاري كلينتون عمدًا:

“استشعرت حملة هيلاري كلينتون قدوم بيرني ساندرز ورأت أن خطابه أكثر تقدمية، فهو اشتراكي ديمقراطي وسيكون يساريًا أكثر منها، فاعتبرت أن ما يمكنها فعله هو المناورة”.

جرى ذلك عبر مهاجمة ساندرز من “يسار ثقافي” في القضايا الثقافية والرمزية، حيث وُصف بأنه “مرشح القضية الواحدة”؛ في إشارة إلى تركيزه على الاقتصاد، وهو ما يصفه غريم بالمفارقة، لأن هذه القضية هي جوهر معيشة الناس.

وكانت كلينتون تردد، بحسب غريم، أن بيرني ساندرز يريد تفكيك المصارف، لكنها كانت تسأل: “إذا فككت المصارف فهل سيضع ذلك حدًا للعنصرية، أو التمييز الجنسي، أو الإسلاموفوبيا؟”، وكان الزخم بشأن هذه القضايا الثقافية يزداد قوة.

هكذا ردّت المنظومة الحاكمة للحزب الديمقراطي على التحدي الذي أطلقه ساندرز، بإشعال حرب ثقافية وتبنّي خطاب حماية الأقليات، في محاولة للبحث عن قاعدة انتخابية جديدة للحزب من دون خسارة تمويل اللوبيات الكبرى.

كيف تبدلت قاعدة الحزب الديمقراطي؟

يلفت نورمان فينكلستين، المفكر وعالم السياسة الأميركي، إلى ما شهدته الولايات المتحدة سابقًا من قوة كبيرة للنقابات، مثل اتحاد عمال السيارات، واتحاد عمال الصلب، واتحاد عمال المناجم. ويضيف:

“هذه المؤسسات كانت هائلة وقاعدتها مؤيدة للحزب الديمقراطي. أما اليوم، فلم يعد لدينا عمال صلب أو سيارات أو مناجم، والنقابات انهارت، لذا فإن الحزب الديمقراطي يبحث عن قاعدة جديدة”.

بدوره، يقول ريتشارد وولف، أستاذ الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس، إن النظر إلى عضوية وقوة النقابات الأميركية يُظهر خطًا يتجه نزولًا دون انقطاع، بدءًا من عام 1955، عندما بلغت ذروتها، حتى الوقت الحاضر، وهو ما حرم الحزب الديمقراطي من “جيش من العمال” كان يُعَدّ عماده الانتخابي.

وأمام هذا الواقع، وللتعامل مع هذه المشكلة، اتخذ الحزب الديمقراطي قرارًا بالبحث عن تبرعات من الشركات الأميركية، التي كانت تاريخيًا تموّل الحزب الجمهوري لأنه الأقرب إلى توجهاتها، بحسب وولف.

ويشير إلى أن هذا الأمر جعل ترمب مصرًّا على تغيير المعادلة وحرمان الحزب الديمقراطي من هذا المال.

ويلفت فينكلستين إلى أن قاعدة الحزب الديمقراطي اليوم أصبحت الأقليات الجنسية والعرقية والإثنية، وقد جرت محاولة خلق هذه القاعدة الجديدة عبر التلويح بورقة “الووك”.

من العدالة الاجتماعية إلى الـ”ووك”

نذ هزيمة بيرني ساندرز عام 2016، دخل الحزب الديمقراطي مرحلة قلق وجودي. وبدل أن يتبنّى بالكامل لغة العدالة الاجتماعية، وُلدت داخله حركة جديدة: الـ”ووك”.

هذا المصطلح يشير في أصله إلى الوعي بالظلم العرقي والاجتماعي، لكنه تطوّر ليصف توجهًا ليبراليًا يفرط في التركيز على الهوية ورمزية التنوع، بدلًا من معالجة قضايا التهميش الأعمق.

وهكذا، ومن خلال البحث عن قاعدة جماهيرية جديدة مع الإبقاء على تمويل كبار اللوبيات، تحوّل الخطاب “التقدمي” مع حركة “الووك” إلى تنافس رمزي حول اللغة والأسماء والتمثيل، في حين بقي التدهور الاقتصادي ومنظومة اللامساواة في اتساع.

في المقابل، برز مع حركة ساندرز داخل الحزب الديمقراطي جيل جديد يحاكي غضب الناس، ويضع في صدارة اهتماماته الهمّ الاجتماعي قبل سياسة “حرب الهويات”.

من أحياء كوينز إلى مقعد عمدة نيويورك، تحوّل زهران ممداني من ناشط هامشي إلى رمز لصراع عميق على روح الحزب الديمقراطي واتجاه أميركا نفسها.

وفي وقت حسم فيه ترمب الصراع داخل الحزب الجمهوري لصالح حركته، وأخمد إلى حدّ بعيد الأصوات المعارضة من داخله، لا يزال الصراع مشتعلًا داخل الحزب الديمقراطي مع توسع قاعدة تقدمييه التي أطلقها ساندرز، ووصول عدد من النواب الذين يحملون مشروعًا مشابهًا، من أمثال ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وغيرهم.

لكن، حتى الساعة، لا تزال المنظومة الحاكمة للحزب صامدة، وتستمرّ نيران الصراع في التوهّج مع عدم تسليمها لهذا التيار الصاعد.

في وسط هذا الصراع، برز اسم زهران ممداني، في مواجهة مرشح المنظومة الديمقراطية أندرو كومو. وتحول انتصاره المفاجئ في انتخابات الحزب التمهيدية إلى زلزال سياسي في صراع يحدّد هوية الحزب السياسية وروحه، تمهيدًا للانتخابات النيابية كما الرئاسية المقبلة.

يقول رايان غريم إن زهران ممداني انبثق من التوجه نفسه بعد عام 2016، وتم انتخابه بعد سنوات عضوًا في جمعية الولاية مع مجموعة كاملة من الاشتراكيين الذين فازوا بمقاعد على مستويات اقتراع مختلفة. ويردف:

“كان عليهم الاستجابة لناخبيهم، وما كان يقلق هؤلاء هو سعر الكهرباء وتكلفة المعيشة في مدينة نيويورك، وهو ما أبقى تلك الفئة من السياسيين مرتبطة بتلك المخاوف المادية”.

ويشير إلى أن ممداني، عندما أطلق حملته الانتخابية لمنصب العمدة، لم يغيّر موقفه من القضايا الثقافية، لكنه لم يضعها أبدًا في صدارة اهتماماته.

أما ريتشارد وولف، فيلفت إلى أن ممداني لم يحظَ بتأييد حكيم جيفريز، الذي يرأس الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب، ولا تشاك شومر، السيناتور عن نيويورك الذي يرأس الكتلة الديمقراطية في مجلس الشيوخ، لأنهما “خائفان”، على حدّ قوله، من رفض الممولين الكبار لهم إذا وقفوا مع ممداني.

انقسام جيلي في الحزب الديمقراطي

خلف ظاهرة ممداني، ومعه تقدميّو الحزب الديمقراطي، يبرز انقسام جيلي واضح؛ إذ تتركز قاعدة هذا الجناح داخل فئة الشباب بصورة غالبة.

ويلفت نورمان فينكلستين إلى أن القضية الأساسية بسيطة للغاية: في بلد لا يبدو أن للشباب فيه مستقبلًا واضحًا، يتطلعون إلى بديل غير تقليدي.

وحين بدأ صعود ممداني يشكّل خطرًا حقيقيًا بإحداث “الزلزال الكبير” في الانتخابات التمهيدية لعمدة نيويورك، وبات كومو، المرشح المفضل لدى المنظومة الحاكمة للحزب، مهدَّدًا، استُخدمت كل الأسلحة السياسية لمحاولة كبح تقدّم ممداني.

وفي المدينة التي يتركّز فيها أكبر عدد من اليهود في العالم بعد تل أبيب، انطلقت محاولة لاختبار موقف ممداني من دعم إسرائيل المستغرقة في حربها على غزة.

لكن ممداني لم يتراجع عن موقفه. وعوض أن يؤدّي دعمه للفلسطينيين إلى تراجع في مؤيّديه، راحت الاستطلاعات تظهر صعودًا أكبر له، وخصوصًا لدى اليهود من سكان نيويورك.

وبدل أن يكون دعم الفلسطينيين موقفًا خاسرًا انتخابيًا، تحوّلت صور الدمار إلى اختبار أخلاقي لكل سياسي أميركي، ولمدى استقلاليته في مواجهة ضغوط اللوبيات والمال.

ويشير نورمان فينكلستين إلى أن زهران ممداني أدار حملة في مدينة نيويورك تنتقد إسرائيل بشدة، إلى درجة أن المسؤولين المعروفين بدعمهم لإسرائيل وجدوا أنفسهم في موقف صعب معه؛ فبعضهم أيّده، مثل جيرولد نادلر، الذي كان نائبًا في الكونغرس ومؤيدًا “أعمى” لإسرائيل، فيما لم يُدنه شومر صراحة، وهو أمر غير معتاد.

ويعزو فينكلستين ذلك إلى “حقيقة أن دعم الفلسطينيين لم يعد قضية خاسرة”.

إلى ذلك، أظهرت الحرب كيف يعمل المال في السياسة: مليارات من التبرعات الانتخابية تُوجّه لمعاقبة كل صوت مخالف، وشركات علاقات عامة تشوّه المعارضين في الإعلام.

هكذا أصبحت انتخابات بلدية، تُعدّ في العادة أكثر الاستحقاقات الأميركية محليةً من حيث طبيعتها، مركزًا في الصراع السياسي على مستوى الولايات المتحدة بأكملها.

فبعد فشل الحملات المتتالية في كبح تقدّم ممداني، وبعد فوزه في الانتخابات التمهيدية بصورة صادمة، رفض خصمه كومو التسليم بالنتيجة، وقرّر الترشح إلى الانتخابات العامة كمستقل. وهنا برز موقف الرئيس الأميركي ترمب كأكبر مهاجمي ممداني، وكمن يسعى حثيثًا لتأمين ظروف خسارته في الانتخابات العامة.

ومع تحوّل انتخابات مدينة نيويورك إلى بند أساسي على قائمة العناوين السياسية في الولايات المتحدة، التي تشهد شرخًا عميقًا بين يسارها ويمينها، وصولًا إلى عودة مظاهر العنف في السياسة، من محاولة اغتيال ترمب، إلى اغتيال النائبة الديمقراطية ميليسا هورتمان وزوجها في ولاية مينيسوتا، وصولًا إلى اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك، لم يَسلم ممداني من التهديدات.

وكشف ممداني أن رجلًا من تكساس استُدعي إلى المحكمة في مقاطعة كوينز بتهمة تهديده وعائلته بالقتل، مضيفًا:

“قال الرجل إنه تمنى أن تخترق رصاصة من الجيش الإسرائيلي جمجمتي، وهدّد بقتلي وقتل عائلتي وأحبّتي”.

لكن مع كل هجوم عليه، كان زهران ممداني يتحوّل من المرشح الأضعف إلى تثبيت موقعه بوصفه المرشح الأوفر حظًا.

رفض دعم الشركات، وفضّل تمويلًا شعبيًا من آلاف المتبرعين الصغار، وطرح برنامجًا يقوم على ضبط الإيجارات، وتوسيع الإسكان العام، وتوجيه جزء من أموال الشرطة نحو الخدمات الاجتماعية.

وبعد أن أصبح زهران ممداني عنوانًا للصوت الاعتراضي داخل الحزب الديمقراطي ومحورًا أساسيًا في النقاش السياسي العام، يشير كثيرون إلى صعوبة تكرار تجربته على صعيد وطني عابر للولايات، نظرًا لخصوصية نيويورك.

لكن، في المقابل، يؤكد كثيرون أن حالته انعكاس لطلب شعبي على سياسة من نوع آخر، ويعوّلون على أن ينتشر هذا التيار أبعد من نيويورك.

وفي حين أن أميركا المنقسمة على نفسها لن تُنهي أي انتخابات من دون معارك وانقسامات، تبدو كوينز في نيويورك المقاطعة التي تختصر القصة الأميركية كلها.

منها خرج دونالد ترمب، وريث المقاولات والأبراج العالية، وفيها تربّى زهران ممداني، ابن المهاجرين الذين جاؤوا بلا شيءٍ سوى الذاكرة.