جنوب لبنان تحت القصف.. أبعاد العدوان الإسرائيلي وأثره على وقف النار

جنوب لبنان تحت القصف.. أبعاد العدوان الإسرائيلي وأثره على وقف النار

Loading

في الوقت الذي كانت الحكومة اللبنانية تبحث بحضور الرئيس جوزيف عون التقرير الثاني للجيش بشأن حصر السلاح بيد الدولة، نفذت المقاتلات الحربية الإسرائيلية عدوانًا واسعًا على قرى عدة في جنوب البلاد.

وأتت غارات الاحتلال الإسرائيلي بعد بيان لافت لحزب الله في توقيته ومضمونه، حيث حمل بيان الحزب نقاطًا أساسية تركزت في “الحق المشروع بمقاومة الاحتلال والعدوان”، فلبنان وفق حزب الله معني بوقف اعتداءات إسرائيل بموجب نص إعلان وقف إطلاق النار.

وحذَّر حزب الله أيضًا مما وضعه في خانة الانزلاق والتورط بأفخاخ تفاوضية مطروحة وتحقق المكتسبات لإسرائيل.

أما قوات اليونيفيل فقالت إنها تراقب عن كثب كل الانتهاكات الجوية والبرية، فكل خرق يقوض الهدوء الهش في لبنان وفق البيان الذي أشار إلى أن القرار 1701 يبقى الإطار الأساسي لاستعادة الاستقرار.

من جهتها أصدرت وزارة الخزانة الأميركية لائحة عقوبات بحق شخصيات مرتبطة بحزب الله، اتَّهَمَتها واشنطن بأنها تُشرِفُ على نقل الأموال عبر شركات صرافة من إيران إلى لبنان.

“مسار تفاوضي”

وفي هذا الإطار، رأى الكاتب والمحلل السياسي خلدون الشريف أن “لبنان يواصل العمل على مسار تفاوضي مع الأطراف الدولية المعنية بشأن الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، وذلك في إطار خطة تتناول خمس نقاط رئيسية تشمل الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، والطلعات الجوية الإسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية، وضمانات أمنية يجري تنفيذها بإشراف لجنة الميكانيزم”.

وتتألف اللجنة من ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة (اليونيفيل) وإسرائيل ولبنان.

وأشار الشريف في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت إلى أن الجانب الإسرائيلي طالب بأن تضم اللجنة شخصيات سياسية، بينما أبدى لبنان استعدادًا لضم خبراء وتقنيين بدلًا من السياسيين.

واستدرك “وبينما كانت مصر تتوسط في هذا المسار، زارت المبعوثة الأميركية بيروت لمتابعة التطورات، في وقتٍ واصل فيه الجيش الإسرائيلي تنفيذ غاراته وضرباته داخل الأراضي اللبنانية من دون التزام واضح بالمسار التفاوضي أو بحدود التصعيد”.

ولفت الشريف إلى أن “المعلومات تشير إلى أن وقف إطلاق النار من المفترض يبدأ من جنوب نهر الليطاني، على أن يُستكمل تنفيذ الترتيبات حتى نهاية عام 2025، وهي المهلة التي منحت للبنان لاستكمال انتشار الجيش وتنظيف المنطقة من أي مظاهر مسلحة“.

ومضى يقول: “وفق مصادر دبلوماسية، فقد اكتشف الفرنسيون والأميركيون ولجنة الميكانيزم آلاف المخابئ في الجنوب، وأبلغوا الجيش اللبناني الذي نفذ عمليات دهم ومصادرة ذخائر بالتنسيق مع اليونيفيل. غير أن إسرائيل، تواصل خرق الأجواء وضرب المواقع اللبنانية دون فتح أي نافذة سياسية للتفاهم حول وقف جديد لإطلاق النار”.

واعتبر الشريف أنه “في ظل هذا التصعيد، فإن العقوبات الأميركية الأخيرة تضع الحكومة اللبنانية في موقف حرج، إذ تعزز موقف حزب الله وتضعف قدرة الدولة على المناورة السياسية”.

ورأى أن “ضبط السلاح وإعادة تنظيم الوضع الأمني جنوب البلاد لا يمكن أن يتحققا من دون اتفاق سياسي شامل على مستويين: داخلي يضمن دور الجيش كحامٍ وحيد للحدود والسيادة، وإقليمي يوفر ضمانات دولية متبادلة شبيهة بما حدث في اتفاق غزة الذي رعته الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا”.

وختم بالقول “غير أن التجارب الأخيرة، بحسب هذه الأوساط، تظهر أن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقات، إذ تواصل انتهاكاتها في غزة رغم الضمانات الأميركية والإقليمية، وما زالت تستهدف المباني والمناطق المدنية هناك، في مشهد يعكس تشابهًا بين الواقع في الجنوب اللبناني والوضع في القطاع”.

“استعادة إسرائيل لصورتها”

بدوره قال الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد إنّ أحد أبرز أسباب التصعيد العسكري الإسرائيلي في المنطقة يعود إلى محاولة الجيش الإسرائيلي استعادة مكانته وهيبته بعد سلسلة من الإخفاقات العسكرية والسياسية خلال العامين الماضيين.

وأوضح شديد، في حديثه إلى التلفزيون العربي من مدينة الخليل، أن “الجيش الإسرائيلي تلقّى صفعة كبيرة في المواجهات الأخيرة، مشيرًا إلى أنّه “حتى بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار في 26 نوفمبر الماضي بين إسرائيل ولبنان، لم تتمكّن إسرائيل من تحقيق الانتصار الذي كانت تسعى إليه”.

وأضاف شديد أنّ “هذا الفشل أضعف كثيرًا موقع الجيش داخل إسرائيل، وأثّر في علاقته بالمستوى السياسي، حيث “يسعى الجيش الآن إلى استعادة صورته وقوته أمام المجتمع الإسرائيلي والحكومة، التي تستغل بدورها هذا التصعيد لتحقيق مزيد من السيطرة على القرارين العسكري والسياسي”.

وأشار إلى أنّ “العلاقة المعقّدة بين المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل تلعب دورًا مباشرًا في هذا التصعيد”، مبينًا أنّ “السياسات الإسرائيلية تجاه لبنان على مدى العقود الخمسة الماضية أسهمت في تشكيل الواقع الراهن المليء بالتوتر والتناقضات من منظور إسرائيلي”.

وفي تحليله للسياسة الإسرائيلية الحالية، قال شديد إنّ الخطاب الداخلي في إسرائيل “يشهد تراجعًا في نبرة الانتصار التي روّجت لها الحكومة سابقًا”، لافتًا إلى أن تصريحات المسؤولين حول “إدخال لبنان في الشرق الأوسط الجديد” الذي تسعى إسرائيل إلى الهيمنة عليه “تبدو اليوم أبعد عن الواقع”.

وردًا على سؤال حول التناقض بين التصعيد العسكري الإسرائيلي ومساعي الوساطة الأميركية، رأى شديد أن الغارات الإسرائيلية لا تتعارض مع الأهداف السياسية الأميركية، قائلاً “الولايات المتحدة تمارس دور الشرطي الحسن، فيما تؤدي إسرائيل دور الشرطي القاسي. واشنطن توفر الغطاء السياسي والعسكري لتلك الضربات، وتمنحها المشروعية الدولية التي تحتاجها”.

وختم بالقول إنّ “إسرائيل ما كانت لتشنّ هذه الغارات المتكرّرة في الأسابيع الأخيرة دون ضوء أخضر أميركي واضح”، معتبرًا أنّ واشنطن “تواصل إدارة المشهد عبر سياسة العصا والجزرة، بما يخدم مصالحها ومصالح تل أبيب في آنٍ واحد”.

“الوقت أمام لبنان قصير”

من جانبها قالت سيسيل شي، كبيرة الباحثين في الأمن العالمي والدبلوماسية في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، إنّ المهلة الزمنية المحددة للجيش اللبناني للسيطرة الكاملة على أسلحة حزب الله تقترب بسرعة، مؤكدةً أن المهمة شديدة التعقيد والخطورة.

وأوضحت شي، في حديث إلى التلفزيون العربي من شيكاغو، أنّه “من الواضح وجود كميات كبيرة من الأسلحة في جنوب لبنان، وقد استهدفت إسرائيل عددًا منها في غاراتها الأخيرة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الانفجارات التي وقعت في المنطقة”.

وأضافت “أنا أعتقد أن هذه الهجمات الإسرائيلية خطأ، لكن لا يمكن إنكار أن هناك أسلحة متبقية. التعامل مع حيازة الأسلحة وتدميرها عمل في غاية الخطورة، ويتطلب فرقًا متخصصة، وقد يكون الخلل في الأساس متعلقًا بالاتفاق الذي حدد الجهات الدولية المكلّفة بالمساعدة في هذه المهمة”.

وأشارت الباحثة إلى أن” لبنان طلب دعمًا من الولايات المتحدة ودولًا أخرى لمساعدته في ضبط الأسلحة، لكنها أعربت عن شكوكها حول مدى تجاوب الإدارة الأميركية الحالية مع هذا الطلب”

واستدركت قائلة “هناك صعوبة كبيرة في اتخاذ قرارات من هذا النوع في واشنطن، والوقت أمام لبنان قصير للغاية”.

وردًا على سؤال حول ما إذا كانت الغارات الإسرائيلية تضعف موقف الحكومة اللبنانية وتُعزز في المقابل موقف حزب الله، قالت شي: “آمل ألا تؤدي هذه التطورات إلى ذلك، لكنني أتفهم أن هذا الاحتمال قائم. رغم ذلك، أعتقد أن الحكومة اللبنانية أظهرت نضجًا في تعاملها، إذ تواصل أداء المهام المطلوبة منها، وهذا في مصلحة لبنان على المدى الطويل”.

ونوهت شي إلى أن “نزع سلاح حزب الله سيكون في نهاية المطاف لمصلحة الدولة اللبنانية، مضيفةً أن التفاؤل النسبي لدى بعض الأطراف الإسرائيلية “قد يكون نابعًا من رغبتهم في إظهار أهمية إنجاز هذه المهمة”.

وأكدت الباحثة الأميركية أن المطلوب الآن هو تفعيل الاتفاق القائم وضمان استمراريته، داعيةً الولايات المتحدة إلى مراقبة تنفيذ لبنان لالتزاماته ودعم العملية ميدانيًا.

ومضت تقول “نحتاج إلى مراقبين أكثر، فاليونيفيل بحجمها الحالي لا تكفي لمتابعة كل تفاصيل هذه المهمة، وقد لا يكون لدى لبنان الوقت الكافي لدعوة فرق جديدة، لكن التعاون الدولي في هذا الملف ضروري لحماية سيادة لبنان”.

واختتمت سيسيل شي حديثها بالتشديد على أهمية التزام لبنان بالمهلة الزمنية التي تبدأ في الأول من يناير، مشيرةً إلى أن نجاح الجيش اللبناني في السيطرة على الحدود الجنوبية ونزع السلاح ضمن الإطار الزمني المحدد سيمنح بيروت مصداقية دولية ويعزز موقعها في أي ترتيبات أمنية مقبلة.